في خضمّ صخب الحياة وتحدياتها المتلاحقة، قد نجد أنفسنا أحياناً نغرق في بحرٍ من السلبية والتشاؤم، وتُصبحُ رؤيتنا للعالمِ مُلَوّنةً بألوانٍ قاتمةٍ. في هذهِ اللحظاتِ، قد ننسى أن لدينا أدواتٍ قويةً، كامنةً في أعماقِنا، قادرةً على تغييرِ بوصلةِ مشاعرنا، وتوجيهِ شراعِ أرواحنا نحو شواطئِ الإيجابيةِ والتفاؤلِ. 

هذهِ الأدواتُ هيَ "حواسنا الخمسةُ"، التي إذا ما استخدمناها بوعيٍ وإدراكٍ، يُمكنُها أن تجذبَ إلينا شعوراً كاملاً بالبهجةِ والأملِ. 

إنّ الحواسَ الخمسةَ – البصرُ، السمعُ، الشمُّ، التذوقُ، واللمسُ – ليستْ مجردَ أدواتٍ للإدراكِ الحسيِ، بل هيَ بواباتٌ إلى عالمِ المشاعرِ والأحاسيسِ. كلُّ تجربةٍ حسيةٍ نمرُّ بها تُرسلُ إشاراتٍ إلى أدمغتنا، لا لتُخبرنا بما نراهُ أو نسمعهُ فحسبُ، بل لتُثيرَ فينا أيضاً استجاباتٍ عاطفيةً مُعينةً. وبإمكاننا، من خلالِ توجيهِ هذهِ الحواسِ نحو ما هوَ إيجابيٌّ وجميلٌ، أن نُنتجَ شعوراً كاملاً بالتفاؤلِ والبهجةِ. لننظرْ كيفَ يُمكنُ لكلِ حاسةٍ أن تلعبَ دورها في هذهِ العمليةِ:

- البصرُ: العينُ هيَ نافذتُنا الأولى على العالمِ. عندما نُركزُ بصرنا على ما هوَ جميلٌ ومُبهجٌ، فإننا نُغذي أرواحنا بالإيجابيةِ. رؤيةُ الطبيعةِ الخلابةِ بألوانها الزاهيةِ، تأملُ لوحةٍ فنيةٍ تُثيرُ الإعجابَ، النظرُ إلى وجوهِ الأحباءِ المبتسمةِ، أو حتى مجردُ ترتيبِ محيطنا وجعلهِ مُنظماً ومُريحاً للعينِ، كلُ ذلكَ يُمكنُ أن يُحدثَ فرقاً كبيراً في حالتنا النفسيةِ.

البصرُ يُمكنُ أن يُلهمَ الأملَ ويُذكرنا بأنّ الجمالَ ما زالَ موجوداً رغمَ كلِ شيءٍ.

- السمعُ: الأذنُ تستقبلُ أصداءَ العالمِ.

الاستماعُ إلى الموسيقى الهادئةِ أو المُبهجةِ، سماعُ أصواتِ الطبيعةِ كحفيفِ الأشجارِ أو خريرِ الماءِ، الإنصاتُ إلى كلماتٍ طيبةٍ ومُشجعةٍ من الآخرينَ، أو حتى الاستماعُ إلى صمتٍ مُريحٍ بعيداً عن الضوضاءِ، كلُ ذلكَ يُمكنُ أن يُهدئَ الأعصابَ، يُحسنَ المزاجَ، ويُعيدَ التوازنَ الداخليَ. السمعُ يُمكنُ أن يكونَ بلسماً للروحِ المُتعبةِ.

- الشمُّ: حاسةُ الشمِ لديها ارتباطٌ قويٌّ بالذاكرةِ والمشاعرِ. استنشاقُ رائحةِ زهرةٍ مُفضلةٍ، رائحةِ القهوةِ في الصباحِ، رائحةِ الخبزِ الطازجِ، أو حتى رائحةِ عطرٍ يُذكرنا بلحظةٍ سعيدةٍ، يُمكنُ أن يُعيدَ إلينا ذكرياتٍ إيجابيةً ويُثيرَ فينا شعوراً بالراحةِ والسعادةِ.

الشمُّ يُمكنُ أن يُعيدَنا إلى لحظاتٍ من البهجةِ ويُجددَ فينا الأملَ.

- التذوقُ: تجربةُ التذوقِ هيَ لحظةٌ من المتعةِ الحسيةِ المباشرةِ.

تناولُ طعامٍ نُحبهُ بوعيٍ وتقديرٍ لنكهاتهِ، احتساءُ مشروبٍ يُريحُ الأعصابَ، أو حتى تذوقُ قطعةِ حلوى تُعيدُ إلينا ذكرياتِ الطفولةِ، كلُ ذلكَ يُمكنُ أن يُوفرَ لنا لحظاتٍ من السعادةِ والرضا. التذوقُ يُمكنُ أن يُذكرنا بمتعِ الحياةِ البسيطةِ ويُعززَ شعورنا بالامتنانِ.

- اللمسُ: حاسةُ اللمسِ تُمكننا من التفاعلِ الماديِ معَ العالمِ والآخرينَ.

الشعورُ بنعومةِ قماشٍ، دفءِ أشعةِ الشمسِ على الجلدِ، ملمسِ الماءِ الباردِ، أو الأهمُ من ذلكَ، دفءُ عناقٍ من شخصٍ عزيزٍ، كلُ ذلكَ يُمكنُ أن يُوفرَ شعوراً بالأمانِ، الراحةِ، والارتباطِ. اللمسُ يُمكنُ أن يُقللَ من التوترِ ويُعززَ شعورنا بالانتماءِ. 

إنّ قوةَ جذبِ الحواسِ لا تكمنُ فقط في استخدامِ كلِ حاسةٍ على حدةٍ، بل في تكاملها وتفاعلها. المشيُ في حديقةٍ (بصر، شم، سمع، لمس)، تناولُ وجبةٍ معَ الأحباءِ (تذوق، شم، بصر، سمع، لمس)، أو الاستماعُ إلى الموسيقى أثناءَ الرسمِ (سمع، بصر، لمس)، كلُ هذهِ التجاربِ الحسيةِ المُتكاملةِ تُعززُ بعضها البعضَ لتُنتجَ شعوراً كاملاً وعميقاً بالإيجابيةِ والتفاؤلِ. الأهمُ من ذلكَ، أن هذهِ العمليةَ تتطلبُ وعياً وممارسةً. لا يكفي أن تكونَ المنبهاتُ الإيجابيةُ موجودةً، بل يجبُ أن نُقررَ بوعيٍ أن نُركزَ عليها، أن نُعطيَ أنفسنا الإذنَ بالاستمتاعِ بها، وأن نُمارسَ الامتنانَ لوجودها. إنها دعوةٌ لنكونَ حاضرينَ في اللحظةِ، لنُشغلَ حواسنا بصدقٍ، ولنسمحَ للجمالِ والإيجابيةِ بأن تتسربَ إلى أرواحنا. في الختامِ، إنّ جذبَ الحواسِ لانتاجِ شعورٍ كاملٍ بالإيجابيةِ والتفاؤلِ ليسَ مجردَ نظريةٍ، بل هوَ ممارسةٌ يوميةٌ يُمكنُ لأيِ شخصٍ أن يتبناها. إنها طريقةٌ بسيطةٌ وفعالةٌ لتغييرِ حالتنا النفسيةِ، لِتُذكرنا بأنّ الحياةَ ما زالتْ تحملُ في طياتها الكثيرَ من الجمالِ والبهجةِ، ولِتُعطينا القوةَ والأملَ لمواجهةِ التحدياتِ القادمةِ بقلبٍ مُفعمٍ بالإيجابيةِ وروحٍ مُشرقةٍ بالتفاؤلِ. فلنجعلْ من حواسنا بوصلةً تُوجهنا نحو النورِ، وشراعاً يدفعنا نحو مستقبلٍ أفضلَ.

بقلم المدربة الدولية المعتمدة بدور طيارة.