المقالات

الانطباع الأوَّلي عند المُدرِّسين وأثرهُ النفسي والاجتماعي على الطلاب. ( الجزء الأوَّل )

الانطباع الأوَّلي عند المُدرِّسين وأثرهُ النفسي والاجتماعي على الطلاب.  ( الجزء الأوَّل )

تعدُّ الانطباعات الأولى عند المدرسين من الموضوعات المركزية التي تعادل أهميتها أهمية فنّ الاتصال الفعال لديهم، والتي قلّما نسمعها من خبراء التدريس، فقد وحَّد جلّ من أقدَم على إعداد المدرسين أو بعضهم بين موضوعَ الانطباع الأوَّلي للمدرس وموضوع الحضور الفعال في القاعة الصفية. ولكنَّ الحقيقة هيَ أنَّ الانطباع الأوَّلي لدى المدرس لا يعني بتعرفيه الحضور الفعال، إنما يُقصدُ به: "كمية البيانات القليلة التي تجمعها أدمغةُ الطّلاب عن مدرِّسهم في اللقاء الأوّل زمانًا ومكانًا".
وقبل أن أخوض في توضيح هذا التعريف الموجز، يجب أن أسألك سؤالاً صديقي المدرس: ما الذي يدور في عقول الناس عندما يقابلون مدرساً للمرة الأولى؟ ما الذي يلاحظونهُ وما الذي يفكِّرون فيه؟
إنَّ الانطباع الأوَّل الذي يكوّنهُ عنك الطلبة يجعلهم يرونَ ملمحاً صغيراً منك ومن حياتك فقط، ولكن هذا الملمح الصغير يمثل بالنسبة لهم كافة المعلومات التي يعرفونها عنك، بينما أنت الوحيد الذي قد عرفتَ نفسكَ جيداً طوال حياتك، وأدركت أحاسيسكَ ومشاعركَ وسلوكياتك ومخاوفكَ، هذا على خلاف الطلبة لا يعرفونَ عنك أي شيء على الإطلاق سوى هذا الملمح البسيط وهو كلّ ما يمتلكونهُ للتعاملِ معكَ، ولكن عقولهم ستفترضُ بشكلٍ لا شعوري أنَّ هذا الملمح هو تعبير عن شخصيتك وصورة شاملة عنها وهنا تكمن أهمية الانطباع الأوَّلي واللقاء الأول. فقد أوضحت الدراسات النفسية أنَّ الإنسان في تقييمهِ للآخر يعطي المعلومات الأولية التي عرفها عنهُ أهميةً كبرى مقارنةً بأي معلومة سترد إليه في أي وقتٍ لاحق. فإذا قام أحد الطلبة بحضور درس لكَ في أحد المعاهد التعليمية، وأبدى اهتماماً كبيراً بك وبأسلوبك الفعال وَكانَ انطباعهُ الأول عنك بأنك أستاذ خبيرٌ ذو حديثٍ جذاب وممتع، بينما أنت شخصٌ مضطربٌ ومشوشٌ ومشحونٌ بالضغوطات. الطالب في الجلسة قد لا يستطيع معرفة هذه الأمور ولا يهتمّ لأمرها. بينما لو حضر الطالب الجلسة وأنت مضطربٌ ومشوشٌ لكان قد ألتمسَ فيكَ انطباعاً سلبياً وأعطى هذا الانطباع أهميةً كبرى، فإنهُ سيتجاهل لاحقاً كلّ ما تبديهِ في الجلسات القادمة من اهتمامك بالطلاب ودفء مشاعرك وتركيزك على نتائج الطلاب وغيرها من قدراتك الحقيقة في القاعة الصفية، وسيبقى على قناعةٍ بأنك أستاذ مشوش عديم التركيز، وسيتطلب الأمر منك نشاطات سلوكية إيجابية مكثفة في فترات زمنية طويلة لكي تستطيع أنْ تمحو إنْ استطعت انطباعاً أوّليًا سلبيًا سجَّلهُ دماغ هذا الطالب عنك في اللقاء الأول، هذا حسب الدراسات النفسية التي جاءت في فاعلية الانطباع الأوَّلي.
والآن سأتحدث عن الخطوات الثلاثة التي تستند إليها عقول الطلاب في خلق الانطباع الأوَّلي عن المدرِّس:
أوِّلاً: يتلقى الطلاب معلومات مبدئية عنك من خلال ملاحظتهم تعابير المدرس الجسدية، والكلام الذي يصدر عنه، والشعور الذي يبديه في القاعة الصفية، وطرق استجابتك لهم، وقدرتك على سماعهم.
ثانياً: بناءً على هذه المعلومات الأوّلية يكوّنُ الطلاب عنك انطباعاً معيّنًا، ويتخذون القرارات بشأن طبيعة شخصيتك، وتوقعاتهم لطريقة تعاملك معهم بالمستقبل.
ثالثاً: تُصدرُ عقول الطلاب المعلومة الأولية الأولى من بين عدد بسيط من المعلومات الأوليّة التي اكتشفوها في الانطباع الأوَّلي.
ويبدؤون بالبحث عن عوامل تؤكد هذا الإصدار، ولن يبحثوا عن أي سلوك آخر صدر من المدرس ينفي هذا الانطباع الأولي النهائي الذي أصدره الطالب أو الطلاب.
"عرفت من اللحظة الأولى التي قابلت فيها هذا المدرس آنَّه مدرّس  ( صارم جداً، كوميدي، حازم، لا مبالٍ، كثير الكلام ومثير للملل ......... الخ)".
وبعدما أصبحنا على علمٍ ودراية بالمعرفة التي يعتمد عليها الطلاب في آخد الانطباع الأوَّلي عنك صديقي المدرّس، نسأل: ما هي القواعد والمرتكزات التي يجب على المدرس أن يمسك بناصيتها لكي يصنع الانطباع الأوَّلي الجذاب المؤثر
والمشحون بالجوّ الإيجابي المُطلق؟
صديقي المُدرس: إنَّ التعاملات الأولى التي تحصل بين المدرس والطلاب لأول مرة يكون لها تأثير كبير على مشاعر الطرفين.
لذلك وجبَ عليك أنْ تتعلم قانون التركيز العاطفي الصفي، وهو على أربع نقاط ذهبية :
١ - ركّز على مشاعرك تجاه ذاتك
٢ - ركّز على مشاعرك تجاه الطلاب
٣ - ركّز على مشاعر الطلاب تجاهك
٤ - ركّز على مشاعر الطلاب تجاه أنفسهم.
ومن النقطة الـ(٤) يبدأ الطلاب بإصدار الانطباع الأوَّلي عن المدرِّس. وهي النقطة التي لا يتقيّد بها المدرّسون مما يجعل كل ما يقدمونه من مهارات داخل القاعة الصفية لا يحقق القائدة المرجوة بسبب انطباع بسيط أخذه الطالب نقطةً على مدرّسه.
وسأوضِّح هذا المربع بقصّة قصيرة شيّقة ومفيدة:
عُيِّن أستاذ كولومبي مدرساً في أحد المدارس الخاصة بدلاً عن المدرس السابق الذي وافتهُ المنية بسبب مرض رئوي حاد. دخل المدرس إلى  القاعة الدراسية المحددة له ليعطي درساً في مادة الكيمياء وكان الطلاب يتساءلون وهم في حيرة عن طبيعة مدرسهم الجديد. دخل المدرس ورَحّب بالطلاب، وعرَّفَ عن نفسهِ وتعرَّفَ على أسماءِ الطلبةِ، وبدأ درَسَهُ وهو بعنوان "الحموض" واستهل الدرس بالحديث الحموض على الوجه العام واسترسل في كلامه عن حمض الكبريت على وجه الخصوص، وبدأ يُخبر الطلاب عن أهمية هذا الحمض في الحياة اليومية ويحدثهم عنه وعن أثرهِ وأنّهُ هو يقومُ بإعداد كِتابٍ موجزٍ في بعض الأمور المهمة عن هذا الحمض، امتدح الطلاب مدرسهم على أفكاره الجيدة وعن رغبتهم رؤية هذا الكتاب فورَ صدورهِ، شعَرَ المدرس الكولومبي بالإعجاب أمامَ طلابهِ، فقد جعلوه يشعرُ بمشاعرٍ طيبة تجاه ذاته، حيث شعر بتقديرهم واحترامهم لهُ. وفَرِحَ هو الآخر بهذه الجموع من الطلبة الذين تفاعلوا معه وأثنوا على عمله وكلامه، وافترضَ المدرّس مباشرةً بأنَّ الطلاب قد أُعجبوا به وبكتابهِ، وأنَّهُ قد ظهر في أذهانهم بصورةِ المدرس الناجح. ولكنهُ نسيَ أنْ يفكرَ في مشاعرِ الطلاب تُجاهَ أنفسهم بعدَ انتهاءِ هذا الدرس.
وفي اليومِ التالي دخل المديرُ هذه القاعة وسأل الطلبة إن كانوا قد شعروا بالارتياح مع مدرس الكيمياء الجديد، ليتفاجئ المدير بقول الطلبة بأنَّ مدرسهم لم يهتم بهم إلى حدّ كبير، فهو لم يهتم أبداً بسؤالهم عن آرائهم أو عن أي شيء يشركهم في صميم الدرس، كما أنَّ المدرس حسب تعبيرهم لم يبذل أي جهد يذكر لمحاولة فهم ما يدور في أذهانهم من تصورات وأسئلة عن حمض الكبريت والحموض ككل.
نعود إلى مُربَّع قانون التركيز:
١- ركّز على مشاعرك تجاه ذاتك: نلاحظ أنَّ المدرس قد شعر الإعجاب والتقدير والاحترام، وقد تلذذ بهذا الشعور.
٢- ركّز على مشاعرك تجاه الطلاب: فَرِحَ المدرس بهذه الجموع من الطلبة الذين تفاعلوا معه وأثنوا على عمله وكلامه، فشعرَ في قرارة نفسه أنهم قد فهموا ما يقول، وافترض بأنه قد ظهر بصورة بصورة المدرس الخبير في أذهانهم.
٣- ركّز على مشاعر الطلاب تجاهك:  المدرس لم يفكّر في مشاعر الطلبة تجاههُ ولكنه وقع في فخ التفكير بالإعجاب والتقدير والاحترام الذي لاحظه من الطلبة، فقد صبّ تفكيرهُ على تصوّر ذاتهُ مدرساً ناجحاً في أذهان طلابه، ولم يأبه بمشاعر طلابه تجاهه كإنسان قبل أن يكون مدرساً. فلم نلحظ في القصة مشاعر صادقة نبيلة نابعة من الطلاب إلى مدرسهم.
٤ - ركّز على مشاعر الطلاب تجاه أنفسهم: في القصة السابقة إنَّ تجاهل المدرس التفكير في مشاعر طلابه وعلى الأخص تجاه ذاتهم، لم يترك لديهم الانطباع الذي كان يفكر فيه المدرس والذي وقع في فخه أيضاً، والدليل على ذلك ما جاء على لسان الطلبة أمام مدير المدرسة عند دخوله عليهم في جولة تفقدية.

عندما يصبح المُدرِّس قادراً على ضبط هذه نقاط هذا المربع في القاعة الصفية، ويتمكن من إظهار قدراته وأخذ جرعة من التفاعل الصفي من الطلبة. (النقطة الأولى) وبعد أنْ ينال القدر الكافي من الاكتفاء العاطفي تجاه نفسك، يجب أن يحوّل تيار المشاعر تجاه طلابه، وأنْ تقرأ مشاعرهم تجاهه بشكل جيد ودقيق، ويقيّمهم بناءً على طريقة استجابتهم لهُ، ومدى ما يشعر تجاههم، ويصب عليهم مشاعر فرحه بهم وبكلامهم، وأنْ يُشعرهم بأنه سعيد جداً بلقائهم (النقطة الثانية).
وفي سياقٍ متّصل يجب أن تراقب إن كانت هذه المشاعر التي التمسها فيهم مزيفة أم حقيقة، "قيّم الانطباع الذي تركتهُ بدقة" من خلال سؤالهم، ومراقبة تعابير وجوههم، وطريقة حديثهم، ومدى نسبة التفاعل الصفي والنشاط في القاعة الصفية، واحفظ الوجوه التي أبدت التعابير النابعة من القلب تجاه ما قدّمت؛ لأنهم سيشكلون العامل التحفيزي الأقوى لغيرهم في الجلسات المقبلة (النقطة الثالثة)، وبعد أنْ تحصل على البيانات المؤكدة من الطلاب بأنهم أظهروا المشاعر الحقيقة النابعة من القلب تجاه ما قدمت لهم، ارمِ لهم بالمدح الصادق والثناء النابع من القلب، وأشعرهم بمقام الفخر تجاه أنفسهم من خلال استعمالك عبارات تحفيزية مؤثرة وأنْ تنادي الطلبة بأسمائهم وتوزّع لهم حروف المدح والثناء (النقطة الرابعة).
يقول الأستاذان: الدكتور آن ديماري والدكتور فاليري وايت في كتابهما الانطباعات الأولى: إنَّ السرّ الذي يجعل الانطباع الأول عنك إيجابياً هو تركيزك واهتمامك بمشاعر الطلاب تجاه أنفسهم ولكننا لا ندرك أهمية هذه النقطة جيداً؛ لأننا لا نميل إلا إلى التركيز على مشاعر الآخرين تجاهنا، والتركيز على مشاعر الآخرين يتطلب منّا التفكير بطريقة واعية، وتغيير الموضع الذي نركز عليه انتباهنا، وإنْ استطعت أنْ تتحوّل من التركيز على مشاعرك الشخصية إلى التركيز على جعل الآخرين يشعرون بمشاعر طيبة تجاه أنفسهم، فسيصبح من المرجح أن تجعل من الانطباع الأول الذي يكوّنه عنك انطباعاً إيجابياً بالمطلق.
ويقول ديل كارنيجي في كتابه كيف تؤثر على الآخرين وتكتسب الأصدقاء: لو كانت لديك رغبة أنْ يحبك الناس ابتسم.


 بقلم المُدرّب الدولي المُعتمَد سلمان علوش..

أضف تعليقك

من فضلك أدخل الحروف كما في الصورة.
لا يوجد فرق بين الحروف الصغيرة والكبيرة.

اشترك بقائمتنا البريدية

لمتابعة أحدث أخبار التدريب والتعليم وجديد الخدمات والعروض من أكاديمية TTDA.

تحقق من شهادتك

×

تحقق من مدربك المعتمد

×